الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **
قال: - رضي الله عنه -: قد بينا أنه لا يقسم مال الأسير ولا تتزوج امرأته حتى يأتيهم بيان خبره لأنه بمنزلة المفقود وإذا كان لا يوقف على أثره فإن جاء ورثته بالبينة أنه ارتد في دار الحرب فإنه لا يقبل في ذلك إلا شهادة عدلين من المسلمين لأن إسلامه كان معلوماً وشهادة غير المسلم لا تكون حجة على المسلم بما هو دون الردة فبالردة أولى قال: فإذا شهد بذلك مسلمان قضى القاضي بوقوع الفرقة بينه وبين امرأته وقسم ماله بين ورثته لأنه كالميت حكماً عند قضاء القاضي فإن فعل ذلك ثم جاء الرجل مسلماً فأنكر ما شهد به عليه الشاهدان من الردة لم يبطل القاضي قضاءه بإنكاره لأنه قضى بالحجة على من هو خصم ولكنه يجعل إنكاره هذا إسلاماً مستقبلاً منه فلا يرد عليه امرأته ولا ماله إلا ما كان قائماً بعينه في يد وارثه كما هو الحكم في المرتد المعروف وكذلك لو كان مكان المسلم ذمي قامت البينة عليه بنقض العهد إلا أن شهادة أهل الذمة ها هنا مقبولة لأنها تقوم على الذمي بخلاف الأول وإن سمع القاضي الشهادة بردة الأسير فلم يقض بها حتى جاء مسلماً وجحد أن يكون ارتد فإنه يكون ماله له لأنه ما لم يتصل قضاء القاضي بلحاق المرتد بدار الحرب لا يصير المال لورثته فإذا جاء مسلماً كان المال على حاله إن كان ارتد أو لم يرتد ويسأل عن الشاهدين فإن عدلا أبان منه امرأته لأن ذلك حكم يثبت بنفس الردة ولا يحكم بعتق أمهات أولاده لأن ذلك لا يثبت بنفس الردة بل بالموت وإنما يكون للردة حكم الموت إذا اتصل بها قضاء القاضي فإن قيل: فإذا قضى القاضي بالفرقة ها هنا بينه وبين امرأته فقد قضى بردته في دار الحرب وذلك يوجب عتق أمهات أولاده قلنا: لا كذلك فالمرتد وإن لحق بدار الحرب لا يعتق أمهات أولاده ما لم يقض القاضي بلحاقه وها هنا القاضي لا يقضي إلا بالقدر المحتاج إليه وهو ما يقع به الفرقة بينه وبين امرأته وذلك لا يوجب عتق أمهات أولاده فأما الذمي إذا شهد عليه الشهود بنقض العهد فرجع بغير استئمان جديد وقال: لم انقض العهد فإن ظهرت عدالة الشهود عند القاضي جعله فيئاً للمسلمين لأنه تبين امرأته بهذه الحجة لا محالة وذلك لا يكون إلا بعد نقضه العهد وتباين الدارين حقيقة أو حكماً فكان هذا منه نقضاً للعهد لا محالة ثم هو حربي في دارنا لا أمان له فيكون فيئاً وماله لورثته وإن كان دخل بأمان مستقبل فالقاضي يقضي بينه وبين امرأته لثبوت نقض العهد بالحجة عنده ولكن يرد ماله عليه بمنزلة ما لو كان نقض العهد منه معلوماً ثم عاد إلى ما كان عليه قبل أن يقسم القاضي ميراثه بين ورثته ولا يحكم ها هنا بعتق أمهات أولاده ومدبريه لأن بذلك لا يثبت بتباين الدارين بدون الموت بخلاف الفرقة بينه وبين امرأته قال: ولو شهد مسلمان على الأسير أنه طلق امرأته ثلاثاً فإن القاضي لا يقضي بشهادتهما لأنه غائب ولا يقضي على الغائب بالبينة بالطلاق والعتاق كما لا يقضى عليه بالمال ولكن يسع للمرأة فيما بينها وبين الله تعالى أن تعتد فتتزوج لأن هذه حجة يقضي القاضي بها بالفرقة لو كان الخصم حاضراً فيجوز لها أن تعتد بهذه الحجة فتتزوج بعد انقضاء عدتها فإن تزوجت ثم قدم الأسير فأنكر الطلاق فإن أعادت البينة عليه بذلك انفذ القاضي عليه الطلاق وأجاز نكاحها وإلا ردها على الأسير وفرق بينها وبين الثاني لأنه لا يتمكن من القضاء بالفرقة تلك البينة قبل الإعادة فإنها قامت على غير خصم قال: ولو شهد الشاهدان بأنه مات أو قتل فإن القاضي يقضي بذلك لأن هذه البينة قامت على خصم فالورثة خصم ها هنا كما في فصل الردة بخلاف الطلاق وإن شهد عدل واحد بموته لم يقض القاضي بشهادته ولكن للمرأة أن تعتد وتتزوج ثم ذكر فصولاً فيما يجوز عليه الشهادة بالتسامع من الموت والنسب والنكاح وقد تقدم بيان هذه الفصول قال: ولو شهد على الأسير واحد أنه ارتد عن الإسلام نعوذ بالله منها فليس لامرأته أن تعتد وتتزوج على رواية هذا الكتاب بخلاف ما ذكر في كتاب الاستحسان وقد بينا وجه الروايتين وإن شهد أنه طلقها ثلاثاً فكذلك الجواب في القياس لأن أصل النكاح لا يثبت إلا بشهادة الشاهدين فكذلك ما يزيله وفي الاستحسان هذا وشهادته بالموت سواء لأنه شهد بحل التزوج لها وذلك خبر ديني وقد بينا أن خبر مستنكر فأما الإخبار بالطلاق ليس بخبر مستنكر ولأن ردة الرجل يتعلق بها استحقاق القتل فلا يكون خبر الواحد حجة في أمر الدين ما لم يحضر خصم يجحده بخلاف الردة على هذه الرواية لأن ذلك خبر الواحد حجة فيها بخلاف الطلاق والأول أصح فقد ذكر أنه إذا شهد رجل وامرأتان عليه بالردة أو شهد شاهدان على شهادة شاهدين فإن القاضي يقضي به إلا في حكم استحلال القتل خاصة وكما أن بشهادة الواحد لا يثبت القتل فكذلك بالشهادة على الشهادة وبشهادة النساء مع الرجل وكذاك إن شهد رجل وامرأتان على الذمي بنقض العهد وهو يجحد أن يكون نقضه فإن الإمام لا يقتله بهذه الشهادة ولكنه يجعله ناقضاً للعهد فيما سوى القتل من الأحكام حتى يجعله فيئاً لأن شهادة الرجال مع النساء حجة فيما يثبت مع الشبهات لا فيما يندرىء بالشبهات كما لو شهدوا بالسرقة وكذلك لو شهد رجل وامرأتان على نصراني أنه أسلم ثم ارتد وهو يجحد ذلك فإنه يجبر على الإسلام ولكن لا يقتل بتلك الشهادة لتمكن الشبهة في الحجة قال: ولو شهد ذميان على ذمي أنه أسلم ثم ارتد لم تقبل هذه الشهادة أصلاً لأن في زعم الشاهدين أنه مرتد والمرتد بمنزلة المسلم في أن شهادة غير المسلمين عليه لا تكون حجة وإذا كان في زعم الشاهدين أنه لا شهادة لهما عليه لم يجز القضاء بشهادتهما أصلاً والله أعلم.
قال الشيخ الإمام - رضي الله تعالى عنه -: الأصل أن ما لا ينافي الكفر وجوبه ابتداء لا ينافي بقاءه بطريق الأولى وما ينافي الكفر وجوبه ابتداء من العقوبات ينافي بقاءه لأن العقوبات تندرىء بالشبهات وأقوى الشبهة المنافي فكما أن اقترانه بالسبب الموجب ينافي وجوبه فاعتراضه بعد الوجوب قبل الاستيفاء ينافي نحو هذا وبعد انعدام التمكن من الاستيفاء لا يبقى واجباً إذا عرفنا هذا فنقول إذا أصاب المسلم مالاً أو شيئاً يجب به القصاص أو حداً أقر به ثم ارتد أو أصابه وهو مرتد في دار الإسلام ثم لحق بدار الحرب وحارب المسلمين زماناً ثم جاء تائباً فهو مأخوذ بذلك كله لأن كونه محارباً للمسلمين لا ينافي وجوب هذه الحقوق عليه باكتساب أسبابها في دار الإسلام ألا ترى أن المستأمن إذا أصاب شيئاً من ذلك في دار الإسلام مكان مستوجباً هذه الحقوق لما فيها من حقوق العباد فكذلك المرتد إذا أصاب ذلك ولو أصاب ذلك بعد ما لحق بدار الحرب مرتداً ثم أسلم فذلك كله موضوع عنه لأنه أصابه وهو حربي في دار الحرب والحربي بعد الإسلام لا يؤاخذ بما كان أصابه حال كونه محارباً للمسلمين عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: الإسلام يجب ما قبله وقد بينا أن التأويل الباطل في حق أهل الحرب يلحق بالتأويل الصحيح في الأحكام فكما أن المسلم لا يستوجب شيئاً من ذلك بما يصيبه من أهل الحرب فكذلك الحربي لا يستوجب ذلك والمرتد بعد اللحاق حربي وما أصاب المسلم من حد لله في زنا أو سرقة أو قطع طريق ثم ارتد أو أصابه بعد الردة ثم لحق بدار الحرب ثم جاء تائباً فذلك كله موضوع عنه لأن كونه حربياً يمنع وجوب الحدود التي هي لله تعالى عليه بارتكاب سببها في دار الإسلام كما في حق المستأمن فيمنع البقاء إذا اعترض أيضاً إلا أنه يضمن المال في السرقة وإن أصاب دماً في قطع الطريق فعليه القصاص وحاله في ذلك كحال المستأمن لأن ما كان فيه حق العباد فهو مأخوذ به وما أصاب في قطع الطريق من القتل خطأ ففيه الدية على عاقلته إن أصابه قبل الردة وفي ماله إن أصابه بعد الردة لأن التعاقل باعتبار التناصر وأحد من المسلمين لا ينصر المرتد فإن التزم المسلم حد الخمر والسكر ثم ارتد ثم أسلم قبل اللحاق بدار الحرب فإنه لا يؤاخذ بذلك لأن الكفر يمنع وجوب هذا الحد ابتداء ولهذا لا يجب على الذمي والمستأمن فكذلك اعتراضه بعد وجوبه يمنع البقاء وكذلك إن أصابه وهو مرتد محبوس في يد الإمام ثم تاب فإنه لا يؤاخذ بحد الخمر والسكر لأنه أصابه وهو كافر وهذا لأن الكافر يعتقد إباحة الخمر والحدود شرعت زواجر عن ارتكاب أسبابها فلا بد أن يكون المرتكب معتقداً حرمة السبب حتى تشرع الزواجر في حقه وهو مأخوذ بما سوى ذلك من حدود الله تعالى لاعتقاده حرمة سببه وتمكن الإمام من إقامته لكونه في يده وإن لم يكن في يد الإمام حين أصابه ثم أسلم قبل اللحاق بدار الحرب فذلك موضوع عنه أيضاً لأنه أصابه وهو محارب وهذا لأنه بنفس الردة يعتقد محاربة المسلمين إذا تمكن من ذلك إلا أنه ما دام محبوساً عند الإمام لا يتهيأ له المحاربة فلا يجعل حربياً فأما إذا كان بالبعد من الإمام بحيث لا تصل يده إليه فالمحاربة تتهيأ له وهو معتقد لذلك فكان محارباً حكماً كاللاحق بدار الحرب فإن التزام قصاصاً أو حد قذف ثم ارتد ولحق بدار الحرب ثم قال للمسلمين: أصالحكم على أن تؤمنوني على ما أصيب فليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يؤمنه على ذلك لأن هذا شرط مخالف لحكم الشرع قال صلى الله عليه وسلم: كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ولأن فيما لزمه حق العباد فالقصاص محض حق الولي ليس لغيره ولاية الإسقاط فيه وفي حد القذف حق المقذوف وإذا كان هو لا يملك إسقاطه عنه فكيف يملك غيره ذلك فظهر أن من يؤمنه على هذا فهو ملتزم ما لا يمكن الوفاء به فإن آمنه الإمام على هذا فليس ينبغي أن يفي له به لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ردوا الجهالات إلى السنة وقد كان هذا جهلاً منه حيث شرط أن يترك له ما هو من مظالم العباد فينبغي أن يقيم عليه ما لزمه إذا طلبه الخصم ولا يلتفت إلى هذا الشرط فإن قال: إن لم تفوا لي بما آمنتموني عليه فردوني إلى مأمني لم يفعل أيضاً لأنه مرتد تمكن منه الإمام فلا يجوز له أن يمكنه من أن يعود حرباً للمسلمين بحال وإن دعا إلى هذا الصلح وعلم المسلمون أنه لا يخرج إليهم إلا بالإجابة إلى ذلك فينبغي لهم أن يعاملوه على أمر لا يكذبون فيه وهو يرى أنهم قد أعطوه ما أراد يعني ينبغي أن يستعملوا معاريض الكلام فإن في المعاريض مندوحة عن الكذب وذلك جائز في حق المحاربين قال صلى الله عليه وسلم: الحرب خدعة وقد بينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل ذلك يوم الخندق بقوله: فلعلنا أمرناهم بذلك وهذا لأن الكذب لا رخصة فيه فلا ينبغي للمسلم أن يتعمد الكذب بحال من الأحوال فإن أبى إلا أن يعطوه ذلك نصاً أعطوه ذلك وزادوا في الصلح كلمة تنقض الصلح على وجه لا يفطن المرتد بها فيحصل المقصود بهذا الطريق والأصل فيه ما روي أن وفد ثقيف لما جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: نؤمن بشرط ألا ننحني أي: لا نركع ولا نسجد فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وكتب في آخر كتاب الصلح على أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ثم أمرهم بالصلاة ورأى هذه الكلمة ناقضة للكلام الأول فإن لم يقدروا على هذا أيضاً وأعطوه الصلح على ما أراد فليس ينبغي لهم أن يفوا بذلك أيضاً لأن ذلك حرام شرعاً وما تقدم منهم من الشرط كان حراماً أيضاً وارتكاب حرام لا يطرق إلى ارتكاب حرام آخر شرعاً وكذلك لو طلب قوم من المرتدين أن يؤمنوهم على أن يكونوا ذمة يؤدون الخراج فلا ينبغي أن يؤمنوهم على ذلك لأن قتل المرتد مستحق حداً ولا يجوز ترك إقامة الحد ولا تأخيره بمال ولأن المقصود من عقد الذمة مع أهل الحرب ليس هو المال بل التزام الحربي أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات وأحكام الإسلام لازمة على المرتد فلا يكون في إعطاء الأمان له غرض سوى إظهار الرغبة في المال وذلك لا يجوز ردهم إلى مأمنهم بحال لأن القتل مستحق عيناً على المرتد إن لم يسلم قال صلى الله عليه وآله وسلم: من بدل دينه فاقتلوه وإن طلبوا الموادعة فقد تقدم بيان هذا الفصل أنه ينبغي للإمام أن يوادعهم إلا عند الضرورة بأن كان لا يقوى على قتالهم وعند ذلك لا نأخذ منهم جعلاً على الموادعة لأن ذلك يشبه الخراج فإن أخذه منهم جعل ذلك في بيت المال لأنه مال المرتد وكل مال المرتدين هو فارغ عن حق ورثته فيصيبه بيت المال وهذا بخلاف الخوارج فإنه إذا أخذ منهم على الموادعة مالاً جعل ذلك المال محبوساً عنده حتى يتوبوا ثم يرد عليهم لأن مال الخوارج لا يكون غنيمة لأهل العدل بحال بخلاف أموال المرتدين بعدما صاروا محاربين وعلى هذا المستأمن في دارنا إذا التزم ذلك ثم رجع إلى دار الحرب وسأل المسلمين أن يؤمنوه على أن يسلم فلا يأخذه بذلك لأن هذا من مظالم العباد فالمستأمن فيه والمرتد سواء ولو أخذه المسلمون أسيراً بعد ما عاد إلى دار الحرب فقد بطل عنه كل شيء أصابه إلا القصاص في النفس لأنه صار رقيقاً والرق ينافي وجوب القصاص في الطرف ابتداء فينا في البقاء أيضاً بخلاف القصاص في النفس فالرق لا ينافي وجوبه ابتداء وأما ما كان أصاب من مال فالدين لا يجب في ذمة العبد إلا شاغلاً لمالية رقبته فلا يبقى إلا بهذه الصفة ولا وجه لشغل مالية رقبته بهذا الدين لأنه حادث للسابي بعد اكتساب سبب وجوب الدين فلهذا يسقط عنه وكذلك الخوارج إذا أصابوا شيئاً من ذلك قبل أن يكون لهم منعة ثم صاروا أهل منعة فسألوا الصلح على ألا يؤاخذا بشيء مما أصابوا فلا ينبغي أن يصالحهم على شيء من ذلك إلا أن في هذا الموضع ما أصابوا من حد الخمر أو غيره من الحدود فذلك موضوع عنهم بعد ما صاروا محاربين إذا تابوا ولا بأس بأن يصالحهم الإمام على أن يضع ذلك عنهم لأنه شرط موافق لحكم الشرع وكذلك ما أصابوه بعد ما ظهر لهم المنعة فذلك موضوع عنهم إذا تابوا إلا أنهم يطالبون برد ما كان قائماً بعينه في أيديهم من الأموال فإن طلبوا الصلح على أن يترك ذلك لهم فلا ينبغي للإمام أن يصالحهم على ذلك مولو فعل لم يفي لهم بهذا الشرط وأمرهم برد ما وجدوه قائماً بعينه في أيديهم من مال مسلم أو معاهد وإنما لا يؤاخذهم بالحدود التي هي لله تعالى لأن تقادم العهد يمنع إقامة هذه الحدود على ما أشار إليه عمر - رضي الله تعالى عنه - بقوله: أيما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته فإنما شهدوا عن ضغن ومن أبين أسباب التطاول خروجه من حكم أهل العدل ولو كان المرتد إذا أصاب شيئاً مما فيه مظالم العباد في حصن من حصون أهل الحرب فطلب الأمان على أن يترك ذلك له ليفتح الحصن للمسلمين فهذا وما سبق سواء لأنه لا رأي للإمام في إسقاط ما هو من مظالم العباد ويستوي فيه حالة الحاجة وغيرها إلا أنه إن كان استهلك مالاً ولم يصب دماً فرأى الإمام النظر للمسلمين في أن يعطيه ذلك فلا بأس بإعطاء الأمان له على ذلك ثم يؤدي ذلك المال إلى صاحب الحق من غنيمة المسلمين لأن للإمام ولاية التخصيص بشيء من الغنيمة لمن يفتح الحصن للمسلم فكان له أن يفعل ذلك بالمرتد إذا وعد أن يسلم أو يفتح الحصن للمسلمين بخلاف القصاص وحد القذف فإن الإمام لا يتمكن من إيفاء ذلك عنه من مظالم المسلمين لصاحب الحق فلا ينبغي له أن يعطيه الأمان على ذلك والله أعلم بالصوب.
|